فضاء حر

فاتورة ظلام

يمنات
الكهرباء في اليمن لم تعد تأتي إلا في فاتورة الكهرباء!
لم نعد نراها إلا مكتوبة على الفاتورة أو في إسم وزير الكهرباء،
بل لم نعد نراها أصلا:
أصبحنا نقرأها فقط،
نقرأها قراءة بس.
الكهرباء في اليمن تشبه الدستور،
وقوانين الدولة،
ومخرجات الحوار،
واتفاقات وقف اطلاق النار،
تشبهها كلها في كونها حبرا على ورق.
إنها حبر على ورق الفواتير والجرائد فقط.
الكهرباء في اليمن خبر كاذب،
بل إشاعة.
الإشاعة الوحيدة في العالم التي يدفع ملايين الناس مبالغ شهرية ثمنا لها هي الكهرباء في اليمن.
والإشاعة الوحيدة في العالم التي يهددك أصحابها بقطعها عنك إذا لم تدفع مبالغ باهضة مقابلها هي الكهرباء في اليمن.
والمشكلة فوق هذا كله حين يرسلون لك تهديدهم بقطع الاشاعة عنك والاشاعة مقطوعة أصلا!
حدقت مطولا في الفاتورة، نقلت عيني أكثر من مرة بين رقم المبلغ السمين وعبارة “إنذار بقطع التيار”، وجلست أكلم “المؤسسة العامة للكهرباء” المكتوبة أعلى الفاتورة:
متى استهلكنا الكهرباء هذي كلها يا بنت الناس؟!
ومتى جبتي لنا كهرباء أصلا؟!
بالله عليش متى؟!
وهذي المتأخرات كلها متأخرات أيش؟!
متأخرات ظلام؟!
وإذا كانت متأخرات ظلام، ليش الظلام أغلى من الكهرباء؟!
ليش قيمة الكيلووات ظلام ضعف قيمة الكيلووات كهرباء؟!
أو هو ظلام خالي من الرصاص؟!
هو ظلام مليان رصاص يا بنت الناس..
وحطيت الفاتورة على الطربيزة. حطيتها، وجلست أشوف من بعيد عبارة “إنذار بقطع التيار”، وأكلم نفسي:
افرض يا مواطن أن مؤسسة الكهرباء ركبت راسها، وقررت تجي بكرة تقطع عليك التيار، ووصلت ومافيش تيار، من فين تروح تجيب لها تيار عشان تقطعه؟
تروح تستلف من جيبوتي؟!
إن شاء الله تجيب معها تيار وتوصله للبيت شوية وبعدين تقطعه، وإلا كيف باتشعر إنها قطعت عليك التيار؟!
وبعدين، قلت: “طز! إذا المؤسسة تشتي تقطع التيار، تدبّر لها تيار بنفسها وتقطعه براحتها.. ما دخلي أنا؟”.
وهكذا ارتحت من دوشة “التيار”.
بس، فجأة، قفز في راسي افتراض مرعب:
افرض يا مواطن أن مؤسسة الكهرباء في ظل عدم وجود تيار قامت تقطع عليك آخر شي مازالت توفره لك وهو “الظلام”، أيش باتسوي؟
باتجلس هكذا “مقعِّي” بدون كهرباء،
وبدون ظلام كمان؟!
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى